18 - 05 - 2025

مؤشرات| خطاب النوايا وغياب شفافية الحكومة

مؤشرات| خطاب النوايا وغياب شفافية الحكومة

اعترفت الحكومة في خطاب النوايا لبرنامج الإصلاح الإقتصادي الجديد ، الذي دخل حيز التنفيذ خلال الأيام الأخيرة ، بأنها التزمت بإبطاء وتيرة الاستثمار في المشاريع العامة بما في ذلك المشاريع القومية ، وذلك للحد من التضخم والحفاظ على العملة الأجنبية.

الاعتراف جاء في تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي ، صدر الثلاثاء 10 يناير الجاري ، والذي قال إن الحكومة المصرية التزمت بمرونة العملة ودور أكبر للقطاع الخاص ومجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية ، لتنفيذ اتفاق على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع الصندوق.

وخطوة الحكومة بشأن "إبطاء وتيرة المشروعات القومية" ، تأخرت كثيرا وطالب بها خبراء ومتخصصون مصريون على مدى السنوات الماضية ، قبل أن يطالب صندوق النقد بها ، إلا أن الحكومة رضخت لمطالب الصندوق ، لم تلتفت لتحذيرات الاقتصاديين ، والتي اعتبروها أحد أهم الشروط لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية ، والتي أدت إلى ارتباك في الشارع ، وموجات غلاء متتالية ، كرد فعل لتداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية ، ومن قبلها أزمة وباء "كوفيد -19".

رغم محاولات الحكومة نفي أي ابطاء أو تأجيل لمشروعات قومية ، إلا أن تقرير صندوق النقد وضع النقاط على الحروف ، وكشف ما تم التوصل إليه ، من التزام الحكومة بمجموعة تعهدات خلال المرحلة المقبلة ، على رأسها تخفيض مستمر لسعر الجنيه أمام الدولار ، وبالتالي أمام باقي العملات الأجنبية والعربية.

والأهم هو وقف الإنفاق على المشروعات العامة ، إلا أن تقرير صندوق النقد لم يحدد المشاريع التي ستخضع لبرنامج تخفيض الإنفاق عليها ، أو وقفها تماما ، أو ربما تأجيل البعض منها لأجل غير مسمى ، طالما أنها لا تمثل أهمية في هذه المرحلة.

ومن المهم أن تخرج الحكومة علي الناس بحالة عالية من الشفافية ، وتكشف عن مختلف ما ستنفذه من برامج ضمن التزاماتها في خطاب النوايا ، والذي سيخضع لرقابة ومتابعة من صندوق النقد الدولي ، فالأولى أن يعرف الشعب "رأسه من رجليه" في ملف مهم يمس حياة كل فرد ، ولا يمكن أن يبقى الشعب "كالأطرش في زفة الإصلاح الإقتصادي" ، بل الأهم أن يمارس مجلس النواب دوره في دعوة الحكومة لتقديم توضيحات عن كل التفاصيل الواردة في خطاب النوايا وجدول تنفيذها ، حتى لا يفاجأ الشارع بقرارات تؤثر علي حياته ، من رفع لأسعار الخدمات والسلع الإستراتيجية.

لابد من توضيحات صريحة ومحددة تقدمها الحكومة عن تعهداتها بتحريك أسعار الكهرباء والمحروقات من بنزين وخلافه ، حتى أسعار المياه وأسعار أي رسوم خدمية أو ضرائب عامة وعلى الدخل، وغيرها من التعهدات.

وتقرير خبراء صندوق النقد قال صراحة ، أنه وبموجب خطاب النوايا، قالت مصر "الحكومة" إنها ستسمح لأسعار معظم منتجات الوقود بالارتفاع حتى تتماشى مع آلية مؤشر الوقود في البلاد لتعويض التباطؤ في مثل هذه الزيادات خلال السنة المالية الماضية ، ولم يعد هناك أسرار في هذا الإتفاق.

ولاشك أن ترك الأمور للمفاجأة لم يعد يصلح ، فلابد أن يكون الشعب على بينة بكل ما يجري وسيجري في الفترة المقبلة ، وتحديد مستويات تحريك الأسعار التي ستتم ، وسيراجعها صندوق النقد بشكل دوري ، والتي لن تتراجع عنها الحكومة ولا يمكن أن تنفيها ، فالشفافية هي عنوان المصداقية ، والسرية هي وسيلة الفاشل.

الحكومة التزمت وبالوثائق بالعديد من الأمور ، منها عدم التدخل في أسواق العملة الأجنبية لتحقيق الاستقرار أو لضمان سعر للصرف ، إلا في حالات التقلب الشديد ، مع السماح لسعر الجنيه بالتقلب أكثر من ذي قبل منذ خفض قيمته للمرة الثالثة في أقل من عام مع مطلع العام الحالي 2023 ، وهو ما تكرر اليوم التالي لإعلان صندوق النقد في مؤتمر صحفي بواشنطن مساء يوم 10 يناير ، عن تفاصيل خطاب نوايا الحكومة، حيث تم تخفيض قيمة الجنيه بنسبة وصلت 14%، وهي النسبة التي تضاف لتخفيضات سابقة ، وصلت في مجملها إلى أكثر من 100%.

ومن الأمور التي يجب أن يتم الكشف عن تفاصيلها ، ما التزمت به الحكومة بالتخلي عن غالبية برامج الإقراض المدعوم ، وضمان أن تظل أسعار الفائدة بين البنوك "مرتبطة ارتباطا وثيقا" بنطاق أسعار الفائدة الذي يقرره البنك المركزي ، وهو ما تستهدف الحكومة من ورائه تعزيز كفاءة السياسة النقدية.

والشفافية هناك تعني أهمية الكشف عن تداعيات هذا على الأسواق ، وكيفية مواجهة تأثيراته ، والمخاطر الناجمة عنه على أفراد الشعب ، بكل مستوياته ، فلم تعد هناك شرائح تعتبر في مأمن من تأثير هذا البرنامج الإصلاحي.

ومن الأسئلة المهمة التي من الواجب والضروري أن تجيب عنها الحكومة، هو "هل كان الطريق الوحيد لحل الأزمة ، هو طلبها من صندوق النقد الدعم بعدما أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة مواطن الضعف الحالية في ظل زيادة صعوبات الأوضاع المالية العالمية وارتفاع أسعار السلع الأولية؟، أم كانت هناك حلول أخرى؟ بعيدا عن شروط هذا الصندوق؟!.

والسؤال الآخر والمهم أيضا ، ويجب الإجابة عليه من الحكومة ، هل كان قرارها بالدخول في العديد من المشروعات القومية ، وبناء مدن جديدة ، والاستمرار دون أي محاولة لإعادة هيكلتها ، وإعادة النظر في جداول تنفيذها ، وبما في ذلك شبكات الطرق الواسعة والجسور "الكباري".. فالسؤال "هل هذا خطأ أم صواب؟ ولماذا؟".. خصوصا أن دول كثيرة اتخذت قرارات مهمة بجدولة مشروعاتها الكبيرة ، في هذه الأزمة وأزمات مماثلة ، ويدخل في ذات السؤال استمرار مشروعات السكك الحديدية فائقة السرعة ومحطة الطاقة النووية ، وغيرها من مشروعات تصل تكلفتها إلى عشرات المليارات من الدولارات وليس الجنيهات.. مع وجود أزمة في النقد الأجنبي.

الإجابات الشافية والوضوح مسألة ما زالت غائبة ، لا يمكن أن تظل الحكومة والقيادة السياسية في حالة صمت عليها ، فالناس تريد أن تعرف الحقيقة ، وتوجهات المركب "الإصلاحي" الذي تقودة الحكومة وحدها ، دون مشاركة أو حوار مجتمعي أو سياسي بشأنه.
-----------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | جولة ترامب والتريليونات والتطبيع .. والباقي وعود